التعجيل باستفتاء شعبي لتقرير المصير...حتمية
الجزائر ترافع دائما لتحقيق حل يتماشى والشرعية الدولية
وضع داخلي متأزم وامتيازات مفقودة تراهن فرنسا على استرجاعها
أبان تدخل المملكة المغربية عسكريا في الكركرات عن سوء تقدير تكتيكي واستراتيجي أوقعها في فخ دول أجنبية تحاول تجاوز وضعها الداخلي المتأزم من خلال إذكاء الصراعات والحروب الخارجية، خاصة فرنسا الباحثة عن استرجاع امتيازات فقدتها في الجزائر، من خلال محاولتها الزجّ بها كطرف في النزاع.
التدخل العسكري..
خطأ استراتيجي
أكدت أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بجامعة الجزائر الدكتورة نبيلة بن يحيي في اتصال مع «الشعب» أن ما يحدث في الصحراء الغربية خرق صارخ للقانون الدولي ولميثاق هيئة الأمم المتحدة، وانتهاك واضح لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، على اعتبار أنها قضية تصفية الاستعمار المعنية بالتسوية السلمية تكون فيها الهيئة الأممية الفاصل والضامن لحل يتماشى والشرعية الدولية.
واعتبرت المتحدثة أن ما قامت به المملكة المغربية خطأ استراتيجي جسيم، بتدخلها العسكري في ثغرة الكركرات المنطقة التي تتواجد بها بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية حيث تعرف اختصاراً باسم «مينورسو»، إضافة إلى كونها منطقة عازلة.
— لأن تسوية هذه المسألة لن يكون بهذه الطريقة المستفزة، ومن المستحيل أن يساهم التدخل العسكري في حلحلة هكذا ملفات، خاصة أن المملكة المغربية اعتدت على مواطنين عزل، أمام مرأى ومسمع هيئة الأمم المتحدة، لذلك كان من المفروض تحرك المجتمع الدولي للبث مباشرة في حل قضية الصحراء الغربية باستفتاء شعبي عاجل، لوضع حد للتدخل السافر في منطقة الكركرات.
وأوضحت في ذات السياق، أن المتضرر الأول من هذه الأحداث المملكة المغربية وموريتانيا لأنها منطقة حدودية بين البلدين، تعتبر مدخلا إلى موريتانيا وإلى غرب إفريقيا، ومنطقة للتبادل التجاري بين المغرب وموريتانيا.
وكشفت بن يحي أن محاولة جعل الجزائر طرفا في النزاع خطأ أخلاقي وقانوني لأنها ليست كذلك، فهي طرف ينادي بتسوية سلمية لقضية الصحراء الغربية وفق ما يقرّه القانون الدولي، في قضايا تصفية الاستعمار وحق تقرير المصير، مؤكدة أن الجزائر كانت دوما ومازالت قبلة الحركات التحررية، مستغربة في هذا الصدد ما تبثه بعض القنوات الأجنبية في كون القضية الصحراوية ليست قضية تحرر.
في هذا الإطار، أكدت أنها قضية تصفية استعمار، على اعتبار أن الصحراء الغربية كانت مستعمرة إسبانية، ظهرت فيها بعض النزاعات بعد انسحاب الاستعمار منها، ليبقى النزاع بين طرفين رئيسيين المملكة المغربية والصحراء الغربية، سعت وتسعى الجزائر دوما في إطار دبلوماسيتها العقلانية والواقعية إلى وضع حل لهذا النزاع بالطرق السلمية، وفق القانون الدولي.
ولن يكون المخرج إلا باستفتاء شعبي من المفروض أن يتجه إليه الطرف الصحراوي ويقبل به الطرف المغربي إن كان يريد حلا لهذا النزاع.
فرنسا ... المحرك الخفي للأزمة
لاحظت في الوقت نفسه أن المعطيات تؤكد وجود أطراف أخرى أجنبية خاصة الطرف الفرنسي تحاول استغلال ما تعيشه الجزائر من ظروف سياسية واقتصادية على غرار ما تعيشه كل دول العالم بسبب تداعيات جائحة كورونا المستجدة على الاقتصاد العالمي.
حيث تحاول فرنسا استغلال الوضع لتغطي على بعض مشاكلها، بالاستثمار في قضايا خارجية، من خلال إذكاء الفتن بين الشعوب المغاربية أو دول المغرب العربي، فالتاريخ يؤكد أن معظم التدخلات العسكرية لكثير من الدول خاصة الأوروبية وبالذات فرنسا تتزامن دائما مع بلوغ الأزمة الداخلية ذروتها.
وتأسفت بن يحي في هذا السياق، عن حقيقة وقوع المملكة المغربية في هذا الفخ من خلال تفجير الوضع وإذكائها للفتن بينها وبين الصحراء الغربية، بل وتريد الزج بالجزائر كطرف في هذا النزاع، على الرغم من أن المقاربة الجزائرية واضحة، عند العام والخاص، عند الطرف الإقليمي بما فيها دول المغرب العربي والإفريقي في إطار الاتحاد الإفريقي وكذا هيئة الأمم المتحدة.
وأوضحت الدكتورة أن فرنسا اليوم تجد نفسها أمام فقدها بعض الامتيازات التي كانت تتمتع بها في الجزائر، لذلك تريد بطريقة أو بأخرى أن تدير المعركة أو ما يسمى في الاستراتيجيات الحربية نقل المعركة إلى أرض العدو، متناسية أن المملكة المغربية هي دولة عدوة في نظرها هي، أما الجزائر فلا تنظر إليها كعدوة، بل هي بالنسبة لها دولة شقيقة وصديقة، ضمن تكتل اتحاد المغرب العربي، حقيقة هنالك مسائل لا تتفق عليها معها تعد قضية الصحراء الغربية أحدها، لكن رغم ذلك تبقى شعوب المغرب العربي كلها متحدة، تعرقل بعض المتغيرات السياسية تحريك مسارها كقوة إقليمية واقتصادية.
وأشارت إلى أن الجزائر ترفض التدخل العسكري ضد إقليم منزوع السلاح وشعب أعزل، يتم تقتيله ومحاربته لأنه طالب بحل قضيته في أقرب الآجال، من خلال التوجه إلى استفتاء فاصل لهذا النزاع، لكن يبدو أن المملكة المغربية ورطت نفسها استراتيجيا لانسياقها وراء بعض الدول الأجنبية خاصة فرنسا التي تبحث عن ثغرات تكتيكية للرجوع بقوة في العديد من قضايا المنطقة سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا.
ونفت بن يحي أن يكون التدخل العسكري تحرك غير مدروس، خاصة بعد فتح بعض الدول أجنبية وعربية لسفارات في منطقة العيون، بل اعتبرتها خطوات مكوكية قامت بها المملكة المغربية الى ان تصل الى التدخل العسكري في منطقة الكراكرات، ما يعني انه لم يكن تدخلا اعتباطيا بل نتيجة خطوات استفزازية معينة.
وصرحت أستاذة استاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن فرنسا تسعى جاهدة إلى وضع جملة من العراقيل من ضمنها هذه الفتنة الموجودة في ثغرة الكراكرات، طبعا هذا كله من أجل الزج بالجيش الوطني الشعبي إلى التدخل العسكري في هذه المنطقة، لكن تجربة الجزائر السياسية المثقلة بتاريخ قوي، يجعل من تقديم فرنسا للجزائر دروسا في مجال الإستراتيجية أمرا مرفوضا، فالعقيدة العسكرية الجزائرية عقيدة دفاعية تدخل في إطار الحفاظ على الأمن القومي الجزائري في الحدود الجغرافية الموجودة ، وما يحدث في هذه المنطقة يدخل ضمن مسؤوليات هيئة الأمم المتحدة التي لا بد من تحملها كاملة من أجل تسوية سلمية في أقرب وقت ممكن.
...إصلاح هيئة الأمم المتحدة ضروري
ربطت الدكتورة بن يحي تماطل الأمم المتحدة في وضع حل عادل للقضية الصحراوية بظروف غامضة تكتنف هذا النزاع، حيث ثبت للمرة الألف فشل الأمم المتحدة في حل الكثير من النزاعات، خاصة في ظل شغور مهمة ممثل شخصي للأمين العام لهيئة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، في مقابل تعيينها وليام ستيفان مبعوثا أمميا للصحراء الغربية بالنيابة.
وفي السياق ذاته، قالت بن يحي إن الجزائر من الدول الأولى التي نادت بإصلاح هيئة الأمم المتحدة حتى تصل إلى النقطة المحورية التي تأسست من أجلها منذ عام 1945 وهي إحلال السلم والامن الدوليين، فيبدو من خلال ما تعرفه قضية الصحراء الغربية من تماطل رغم أن حلها واضح هو استفتاء شعبي لتقرير المصير، وتواجد بعثة «المونيرسو» في المنطقة خلال التدخل المغربي السافر، الذي كان – حسبها-جوابا عن وقف إطلاق النار في منطقة الكركرات، أنها لن تحرك ساكنا رغم كل تلك الخروق.
وأكدت أن دعوة المبعوث الأممي ستيفان وليام إلى الحفاظ على الهدوء ومحاولة الرجوع إلى طاولة المفاوضات، تبقى تحركا باهتا وضعيفا جدا، فالمطلوب من هيئة مثل الأمم المتحدة أن تكون أكثر صرامة ووضوحا في تطبيق المبدأ الأساسي الذي أنشأت من أجله، خاصة وأن قضية الصحراء الغربية تعتبر من أقدم قضايا تصفية المستعمرات وحق تقرير المصير.
واعتبرت المتحدثة دخول المنطقة في حرب مرحلة خطيرة لا تخدم الطرف المغربي بتاتا، خاصة وأنها تعيش وضعا داخليا متأزما في ظل وضع إقليمي ودولي غير مستقر، وتساءلت عن سبب اختيارها هذه اللحظة لخرق اتفاق وقف إطلاق النار في الكركرات، لأنها سجنت نفسها تكتيكيا واستراتيجيا ما لا يمكنها من التقدم.